عبد العزيز الشناوي يكتب:
لم يعد ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية مجرد تصعيد عسكري أو “ردود أفعال” كما يروج لها خطاب الاحتلال الإسرائيلي، بل باتت الممارسات التي نشهدها يومياً تمثل بوضوح جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان وفقاً لما يُقرّه القانون الدولي.
وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، تعني الإبادة الجماعية “أياً من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه:
(أ) قتل أعضاء من الجماعة.
(ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
(ج) إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً.
(د) فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.
(هـ) نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.
ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خصوصاً في قطاع غزة منذ أكتوبر ٢٠٢٣، يُعد تطبيقاً حياً ومباشراً لهذا التعريف. ففي أقل من عام، قُتل أكثر من ٥٠ ألف مدني فلسطيني، وأُصيب أكثر من ١١٥ ألف. غالبيتهم من النساء والأطفال، في قصف مباشر للمناطق السكنية. وتم استهداف عشرات المستشفيات، منها مستشفى الشفاء ومستشفى القدس، مما أدى إلى خروجها عن الخدمة، وحرمان الجرحى من العلاج، وهي جريمة حرب بنص اتفاقيات جنيف.
كما تم قصف مراكز الإيواء التابعة للأمم المتحدة، مثل مدارس الأونروا، رغم وضوح شعارات الأمم المتحدة عليها، وسقوط شهداء من
النساء والأطفال بداخلها.
أطقم الإسعاف والدفاع المدني أيضاً لم تكن بمأمن، بل تم استهدافهم عن عمد ودفن البعض منهم في مقابر جماعية، حيث تم توثيق عشرات الحالات التي استُهدف فيها المسعفون أثناء تأدية واجبهم الإنساني. حتى دور العبادة لم تنجُ، من قصف كنائس مثل كنيسة القديس بورفيريوس، وتدمير مساجد كانت تؤوي مدنيين هاربين من القصف.
رغم فداحة تلك الجرائم التي تتم على مرأى ومسمع من العالم أجمع، يواصل المجتمع الدولي تبني مواقف مترددة ومتخاذلة، ويبدو أن ازدواجية المعايير تحكم موقف بعض الدول الكبرى، مما يضع علامات استفهام كبيرة حول فعالية النظام الدولي في تحقيق العدالة الإنسانية دون تمييز!
الحقيقة تبقى واضحة: ما يتعرض له الفلسطينيون ليس مجرد عدوان، بل هو جريمة إبادة جماعية، تتطلب تحركاً دولياً عاجلاً، ومساءلة مرتكبيها أمام محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية.
رغم توافر الأدلة وتطابق الأوصاف، لا يزال التحرك الدولي قاصراً، ما يثير تساؤلات حول مدى التزام الدول الكبرى بحماية منظومة القانون الدولي من الانهيار.
على الجميع أن يعي جيداً، أن العدالة الدولية ليست خياراً، بل واجباً إنسانياً.
في ظل ما يتكشف يوماً بعد يوم من حقائق دامغة، تصبح مسؤولية المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ومحكمة العدل ومحكمة الجنايات الدولية، مسؤولية تاريخية وأخلاقية لا تقبل التهاون.
التقاعس عن التحرك الجاد والمباشر لوقف الانتهاكات، وفتح التحقيقات الجنائية الدولية، لا يعني فقط الفشل في حماية شعب أعزل يتعرض للإبادة، بل يعني أيضاً تقويض منظومة العدالة الدولية ذاتها.
إن صوت الضحايا في فلسطين يجب ألا يُدفن تحت أنقاض الصمت الدولي، فجريمة الإبادة الجماعية لا تسقط بالتقادم، ولا يغفرها التاريخ، ولا يسامح عليها الضمير الإنساني.
فلنُطبق القانون الدولي قبل أن يموت الضمير الإنساني إلى الأبد. فالقانون بلا ضمير، أداة باردة، والضمير بلا قانون صرخة في العدم.
٧ #حزب_العدل#صوت_الطبقة_المتوسطة#العدل_هو_الأمل

١١