علي أبو حميد| يكتب:
الأفروسنتريك لصوص الحضارة ما بين الواقع والخيال
امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي والبوابات الإلكترونية الإخبارية بزيارة مجموعة من جماعة من يطلقون على أنفسهم “الأفروسنتريك” للمتحف المصري، يقودهم مرشد سياحي منهم يُدعى “كابا”، مدعين أن الأفارقة هم أصحاب الحضارة الحقيقيين وليس المصري القديم، في غياب المسئولين عن المتحف.
وحتي نرد على تلك الادعاءات يجب علينا أن نعرف تاريخ هؤلاء، وهم ببساطة مجموعة قد تأسست تحت اسم “الأفروسنتريك” أو “الحركة المركزية الإفريقية”، على يد الناشط الأميركي الإفريقي الأصل “موليفي أسانتي”، في فترة الثمانينيات، من أجل تنمية الوعي حول الثقافة الإفريقية عبر التاريخ، وتسليط الضوء حول تلك الهوية وأهميتها لاسيما في الولايات المتحدة وأوروبا.
كما تحاول تلك المجموعة نشر الوعي حول كيفية هيمنة الأوروبيين على حضارة الأفارقة، عبر الاستعمار والعبودية. وتحث كل إفريقي أو متحدر من أصول إفريقية على تقدير أصوله وتنمية وعيه ومعرفته بالحضارات الإفريقية التقليدية. وهذا شىء في ظاهره جيد.
ولكن بدلاً من البحث عن الأصول الحقيقية والبحث في التاريخ الإفريقي وأصول حضارته (إن وجدت) اتخذوا الطريق الأسهل والأكثر جدلاً وهو محاولة السطو على حضارة أخرى وهي الحضارة المصرية القديمة، والزعم _ بالباطل _ أنهم هم مؤسسوها، وأنها حضارتهم وأن الأوروبيين قد قاموا بمؤامرة عليهم وإزالتهم منها.
وهذا هو الطريق الأسهل لأية جماعة بشرية تعاني من الضعف، فتبحث عن نظرية المؤامرة لتبرير أفعالها واكتساب التعاطف، الأمر ليس بجديد، ولم يبدأ بفيلم كليوباترا ذات البشرة الداكنة، ولم ينتهي عند “كيفن هارت”، أو زيارة المتحف المصري، بل لمن يتذكر أن المغني الأمريكى “مايكل جاكسون”، كان قد قدم فيديو كليب عام 1992 لأغنية Remember the time قام فيه بزرع بعض أفكار “الأفروسنتريك”، وتصوير المصريين القدماء في هيئة أفريقية للترويج للحركة، ولكن وقتها لم يكن هذا الفكر منتشر بقوة.
بالطبع لا يمكن إنكار أن مصر قد حُكمت عن طريق مملكة “كوش” السوداء، وأنها حكمت مصر عام 500 قبل الميلاد، والتي كانت نهاية الحضارة الفرعونية، ولكن أيضاً عندما حكمت مملكة “كوش”، مصر لم تترك أثراً في الحضارة بل كانت الحضارة المصرية هي التي أثرت في هؤلاء الشعوب.
العجيب أن المصريين القدماء قد قاموا بتصوير حياتهم اليومية ومعتقداتهم وملوكهم وتاريخهم على جدران المعابد والمقابر، مما يظهر عدم وجود أي دليل لما يدعيه “الأفروسنتريك” وأوهامهم، ولكن ما وجدنا من الدلائل يؤكد أنهم كانوا في بعض الأحيان أسرى حرب، وبنفس الهيئة الافريقية، مما يدحض الفكرة من الأساس. فهل لو كانت الحضارة إفريقية، فلماذا صوروا نفسهم على هيئة غير هيئتهم؟ ولماذا ظهروا كأسرى لملوك مصريين؟! ولماذا لم ينقلوا حضارتهم إلى غرب إفريقيا أو جنوبها؟!
حركة “الأفروسنتريك” تهدف إلى خلق الارتباك من خلال نشر معلومات مغلوطة ومضللة، تفيد بأن أصل الحضارة المصرية، أسود، ويجب علينا كمصريين الاهتمام بحضارتنا وتاريخنا، وإلا فقدنا كل شىء مستقبلاً .. (بلد بلا تاريخ هو بلد ضائع)! .. ونحن نملك حضارة وتاريخ هم الأعظم في العالم، ولكننا نواجه جهل كبير في الوقت الحالي، بقوة مصر وتاريخنا واعتزازنا بها.
آثارنا المصرية ثروة مادية ومعنوية، يحاول الكثيرون سرقتها لأنفسهم. ويجب غرس ذلك بداخل أولادنا وأحفادنا.
لا توجد محافظة أو مدينة في مصر تخلو من مكان أثري، ولكن الكثير منها يعاني من الإهمال، والكثير منا لم يحاول حتى زيارتها.
كلمة أخيرة هويتنا تنبع من تاريخنا .. وإن ضاع ضعنا للأبد.
علي أبو حميد، أمين العضوية المركزي، والباحث في التاريخ والمصريات