لأسباب لا تخفى على أحد، انتظر المصريون أول عمل فني للفنان محمد سلام بعد توقف قارب العامين، بترقب كبير وروح متفائلة، وعلى الرغم من تصنيف مسلسل «كارثة طبيعية» كعمل كوميدي عائلي، إلا أنّ القراءة المتعمّقة لمضمونه تكشف بوضوح أنه أقرب إلى عمل رعب اجتماعي يسلّط الضوء على أخطر الأزمات التي يواجهها المجتمع المصري: الزيادة السكانية، وتداعياتها المباشرة على الطبقة المتوسطة التي أصبحت تتحمّل ما لا طاقة لها به.
يروي المسلسل قصة زوجين شابين من الطبقة المتوسطة، لم يمضِ على زواجهما وقت طويل، فوجئا بحمل غير مخطط لسبعة توائم دفعة واحدة. وعلى الرغم من كون الحدث نادر الحدوث واقعياً، فإن المسلسل يعكس واقعًا مريرًا تعيشه آلاف الأسر المصرية التي أنهكتها تكاليف الزواج الباهظة، وفي القلب منها تكاليف تجهيز منزل الزوجية وفقًا للعادات المصرية التي تُلزم الأسرة بشراء كل شيء دفعة واحدة، من الأثاث والأجهزة المنزلية إلى غرفة الأطفال الكاملة.
وبينما لا يزال الزوجان في بداية حياتهما العملية، يجدان نفسيهما أمام كارثة لا يمكن وصفها إلا بأنها عبء وجودي يتجاوز قدرة الطبقة المتوسطة على الاحتمال.
يقدّم المسلسل الواقع كما هو، بلا تجميل ولا تورية؛ فالاحتياجات الأساسية للطفل الواحد أصبحت عبئًا ثقيلًا، بدءا من تكاليف متابعة الحمل وعملية الولادة مرورا بأسعار لبن الأطفال والحفاظات، وارتفاع تكاليف النقل والمواصلات وصعوبة استخدامها، مع عدم القدرة الشرائية على امتلاك سيارة، وضعف الرواتب لدرجة تدفع كثيرين للعمل في أكثر من وظيفة، وليس انتهاءً بارتفاع تكاليف التعليم، وزيادة أسعار الملابس، حيث تكافح الطبقة الوسطى ارتفاع معدلات التضخم التي لا يقابلها أي تحسّن في مستوى الخدمات العامة أو زيادة مناسبة في الأجور.
وبهذا، يتحول المسلسل إلى ناقوس خطر يذكّر بأن تربية طفل باتت مهمة شاقة، فما بالك بتربية سبعة دفعة واحدة؟
ورغم أن ولادة ثلاثة توائم أو أكثر تُعدّ حالة غير شائعة، إلا أنها عندما تحدث تُصبح الأسرة في أمسّ الحاجة إلى دعم حكومي حقيقي، سواء مادي أو خدمي.
وفي الوقت الذي توجد فيه نظم دعم واضحة في دول عديدة، لا تزال التشريعات المصرية قاصرة عن توفير مظلة حماية مناسبة لتلك الأسر، ويكفي تعليق وزيرة التضامن الحالية السيدة مايا مرسي حين سؤلت عن مشهد لقاء الأبوين مع وزير التضامن، حيث قالت: “المشهد آثار داخل الوزارة تساؤلات حول كيفية التعامل لو كانت حالة “محمد وشروق” حقيقية”
بينما تتواجد دوليا عدة نظم حماية لمثل هذة الحالات، ففي الدول الأوربية مثل فرنسا وألمانيا وأسبانيا يتم توفير بدلاً مضاعفًا، وإجازات أمومة ورعاية مدفوعة، وخدمات منزلية مدعومة مخصصة لأسر التوائم، كذلك نجد دولاً نامية مثل تركيا تقدم دعمًا ماليًا إضافيًا للأسر التي لديها توائم، إضافة إلى رعاية حضانة مدعمة، أما في البرازيل فيوجد برنامج Bolsa Família يرفع الدعم تلقائيًا مع زيادة عدد الأطفال، وخاصة في السنوات الأولى.
هذه الأمثلة تكشف حجم الفجوة مع الحالة المصرية، حيث تُترك الأسرة لمصيرها في مواجهة أعباء تفوق قدرتها.
ومن الملاحظ أن المسلسل يأتي برعاية مباشرة من الدولة المصرية متمثلة في وزارة الصحة، وهو توجه حميد يسهم في تنويع طرق التوعية التي تنتهجها الوزارة في التحذير من الزيادة السكانية غير المخطط لها، إلا أن هذا المسلسل الذي يعرض على منصة على الإنترنت، معظم متابعيها من أبناء الطبقة الوسطى وما فوقها، وهو استهداف غير صحيح في تقديري، لأن الطبقة الوسطى —على الرغم من ضعف دخلها—تملك قدرًا من الوعي يجعلها أكثر حرصًا على تنظيم الأسرة وأكثر التزاما بسياسة الطفلين التي تروج لها الحكومة، لكن الأزمة الحقيقية تكمن في الطبقات الأفقر، حيث تتضافر لديها عدة عوامل تتسبب فى ريادة معدلات الإنجاب لديها، منها الزواج المبكر جدا، وضعف التعليم، ونقص التوعية، وغياب الحماية الاجتماعية، وهو ما لاعتماد الأسرة على الأطفال كأدوات إنتاج تساعد في الأعمال اليدوية أو التجارية أو الخدمية، وبالتالي إنجاب عدد أكبر من الأطفال يعتبر ضمانة لهذة الفئات لحماية اجتماعية عند كبر الآباء.
وهكذا تستمر دائرة الفقر في إعادة إنتاج نفسها، بينما تظل الطبقة المتوسطة مضغوطة ومهددة بالتآكل، رغم التزام معظمها بتنظيم النسل، لذا يجب على وزارة الصحة استهداف الطبقات الأقل تمكينا بطرق توعية مناسبة لهم، ومؤثرة بداخلهم، فضلا عن بذل جهود أكبر لتفهم احتياجاتهم ووضع نظم حماية أكثر فاعلية تقيهم شر العوز والحرمان، وبالطبع ليس من بينها هذا المسلسل.
وختاماً، إن «كارثة طبيعية» ليس مسلسلًا للضحك، بل هو عمل يعكس كارثة اجتماعية حقيقية تتجاوز إطار الدراما. فهو يُظهر كيف تحوّل الإنجاب—في ظل الظروف الحالية—من قرار إنساني طبيعي إلى فخ اقتصادي واجتماعي يهدد استقرار الأسر، ويضغط على بنية الدولة كلها.
والرسالة التي يقدمها المسلسل بوضوح هي أن الإصلاح الحقيقي يبدأ من إعادة النظر في بنية الخدمات العامة، وفي نظام الدعم الاجتماعي، وفي سياسات تنظيم الأسرة، وفي حماية الطبقة المتوسطة التي تمثل العمود الفقري لأي مجتمع مستقر.
م. أحمد القناوي
أمين عام حزب العدل
#حزب_العدل#العدل_هو_الامل#صوت_الطبقة_المتوسطة


